(فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).
إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن، فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه؛ فهو علامة سعادته وإرادة الخير به
اللهم ردنا إليك ردا جميلا ..
"إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا"
إذا أحسن الإنسان نيته أحسن الله له تدبيره ولو كان ظاهر التدبير مكروهاً، يُدبر أمره بخفاء لا يدركه أحد .
قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير )
اعلم أن من أعظم أسباب البلاء الذنوب والمعاصي ، فقلة المطر وفساد الذرية وتسلط الظالمين وعدم التوفيق وغير ذلك سببه المعاصي والذنوب.
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾.. لم يقل ثم يشفين .. الشفاء يبدأ مع المرض وليس بعده..
في داخلك هذا الدعم الرباني الذي يقاوم أوجاع روحك وجسدك ..
الله معك..
﴿وَاجعَل لي لِسانَ صِدقٍ فِي الآخِرينَ﴾
طوبى لمؤمن أنعم الله تعالى عليه بذكرٍ حسنٍ في العالمين.
لا يقتصر على زمانه ولا مكانه
ولكنَّه يكون معه في حياته، وله بعد وفاته.
﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾
يجب على الإنسان إذا أصابته الحسنة أن يوليها شكرًا لله عز وجل؛ لأنها منه تفضلًا وإحسانًا، وإذا أصابته السيئة فلينظر في نفسه حتى يحاسبها ويستعتب فترتفع السيئة.
( قل الله يُنجيِّكم منها ومن كل كربٍ ﴾
كربُك وبلاؤكَ وهمُّك مهما كانت حِسابات الفرَج فيه عند النَّاس عسيرة وربما مُستحيلة..! إلَّا أن الله - جلَّ جلالُه - لا يتعاظمهُ شيء ولا يكشِفُ الكربَ العظيم غيره ، وليس للشدائِد معوّلاً دونه .
مشهد رحمة غائب عن كثير: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون) ومن رحمته أن نغصّ عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم
{والطَّيرُ صافَّاتٍ كلٌّ قد علم صلاتَه وتسبيحَه}
تأمل فمع ارتفاعها وتحليقها لم يزدها إلا صلاةً وتسبيحًا، في حين كثيرٌ من الناس إذا ارتفع في الدنيا ازداد عُتوًّا، وغفلة وعصيانًا!
{يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}
أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟
يُذهل عن يومه في ارتقاب غده
ولا يزال كذلك حتي ينقضي أجله
ويده صِفر من أي خير.
[الغزالي]
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
كل نازلة تحلُّ بك ما هي إلا ﴿شيء من﴾ البلاء..أما والله لو بُليت بالكثير لهلكت! فتجلَّد وتصبر؛ تنل بُشرى الصابرين..
﴿الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾
تذكر وأنت تردد الحمدلله رب العالمين أن الله هداك واصطفاك واختارك دون غيرك لتقف بين يديه مصليا مقبلا عليه
فهل بعد هذا الفضل فضل !!
{ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍِ }
تنويع العبادة في هذه العشر من صيام ، وذكر ، وصدقة ، وقراءة للقرآن ، وقيام الليل ، ودعاء في جوف الليل وأطراف النهار ، يطرد الكسل والفتور ، ويعين على الاجتهاد في هذه الأيام الفاضلة التي هي خير أيام الدنيا.
لا تيأس من أحد :
فالسحره الذين جاءوا لنزال موسى.. صُلبوا ولم يرتدوا
"قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا"
ولا تفرط الثقة بأحد :
فالذين عبروا معه البحر عبدوا العجل!
{ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ}
{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}
من أعمى الله بصيرته لو وقف أمام أنوار الحق ما رآها والعياذ بالله .
[ ابن عثيمين ]
(والكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس والله يُحبُّ المحسنين)
درجة الحلم والصبر على الأذى، والعفو عن الظلم
أفضل أخلاق أ��ل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام .
[ ابن تيمية ]
﴿يَومَ نَحشُرُ المُتَّقينَ إِلَى الرَّحمنِ وَفدًا﴾
لم يقل إلى الجنة .. بل قال إلى الرحمن ما أجمله وما أعظمه من شعور
جعلني الله وإياكم من أهل هذا الوفد الكريم.
(قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ..)
قد يحقق لك الله أعظم مما تمنيت حتى إنك لتعجب ، فلا تعجب إنما هو أمر الله ورحمته.
(لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)
تأمل في دلالة كلمة (منكم)! فدفع الأموال منا، والجهد البدني في الذبح منا، فبقي تحقيق الأهم، وهي التقوى، فهي التي سنثاب عليها إن حققناها، وسنخسر إن غابت عن أعمالنا.
(قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
التفاؤل أن تتعلق بفرج الله مع أن المعطيات كلها ضدك
فموسى عليه السلام البحر أمامه والعدو خلفه وقال إن معي ربي سيهدين..
( فإنِّي قريب )
ماالذي ترجُوه بعد أن يستقرّ دفءُ هذه الآية في وسط فُؤادك ؟
إذا تخلى عنك الناس وابتعدوا ، فاستشعر قرب الله منك ، تكلَّم بما في قلبك ، واطلب منه ما شئت ، فإنه قريبٌ منك ، ويستجيبُ لدعواتك .
( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )
ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الآخرة من عقاب الله، لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا..
تفسير الطبري.
﴿ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾
قال بن عباس: هي أيَّامُ العشرِ.
فالذكر أعظم عمل وشعار أيام عشر ذي الحجة وأيام الحج وأنت الآن فى هذه الايام، فعليك بالاكثار منه فهنيئا للذاكرين الله فيها كثيرا والذاكرات.
{وكبره تكبيراً}
نكبر الله في اليوم عدة مرات، ونسمع التكبير كثيراً، لكن هل استحضرت قلوبنا معناه العظيم؟ فالتكبير بحضور قلب ويقين، ينزل السكينة، ويحقق الأمان، ويقوي الإيمان، ويورث رضا الرحمٰن.
﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيلَ وَالنَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصارِ﴾
القادر على تقليب الكواكب قادر على تقليب المضغة التي بين جنبيك فاطلبه الهداية والثبات.
يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
🔴القراءة برواية ورش عن نافع.
﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾
أي شرف أن يصطفيك الله لمناجاته في وقت نزوله، ويثني عليك في كاتبه، ثم يقدّر لك من الخير ما لا تعلمه*
اللهم لا تجعلنا أشقياء ولا محرومين
﴿رَبِّ هَب لي حُكمًا وَأَلحِقني بِالصّالِحينَ وَاجعَل لي لِسانَ صِدقٍ فِي الآخِرينَ وَاجعَلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ﴾
ما أبلغها وأجمعها من دعوات ، فلتكن على لسانك
🔴القراءة برواية رويس عن يعقوب
أعظم معين على مداومة الصبر في المحن تسلية النفس باستحضار صبر الرسل؛ فقد قال الله لنبيه ﷺ: ﴿اصبِر عَلى ما يَقولونَ وَاذكُر عَبدَنا داوودَ ذَا الأَيدِ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾
﴿أَقِمِ الصلاة لِدُلوكِ الشمسِ إلى غَسَقِ الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا﴾
يريد اللهُ منك أن تكونَ على صلةٍ دائمة به؛ فلذلك شرَع لك في نهارك وليلك فرائضَ تجعلك به موصولًا، فكلَّما صرفتك همومُ الحياة عنه أعادك الأذانُ إليه.
﴿الرَّحمنُ عَلَّمَ القُرآنَ خَلَقَ الإِنسانَ﴾
قدم نعمة تعليم القرآن علي نعمة خلق الإنسان ؛ لأن بالقرآن حياة الروح , وبالخلق حياة الجسد , وما قيمة الجسد بلا روح ؟!
﴿بَل هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدورِ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ﴾
رسالة بليغة لمن يزهد في حفظ القرآن.
قال العلامة السعدي : هم سادة الخلق وعقلاؤهم والكمّل منهم.
(إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًا وعلانية يرجون تجارة لن تبور)
التجارة التي لا تخسر أبدًا ..
تلاوة القرآن ..
إقامة الصلاة ..
الصدقة في السر والعلانية..
ومِن خصائص يوم الجمعة انه ينبغي فيه إكثار الصلاة على النبي ﷺ ، لإنه أعظم الخلق
حقا عليك،أعظم حقا مِنْ أمّك وأبيك ويجب أنْ تفديه بنفسك ومالك ،فأكثر مِن الصَّلاة عليه
يوم الجمعة ، لأن النبي ﷺأمر بذلك.
-ابن عثيمين
الفتاوى١٦/٢٤
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}
قال ابن القيّم - رحمهُ الله -:
"لا يزالُ المرء يُعاني الطّاعة حتى يألفها ويحبّها، فيُقيض الله له ملائكة تؤزه إليها أزاً، توقظهُ من نومهِ إليها، ومن مجلسهِ إليها"
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا)
من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة؛ أن يرى سعيَه كلَّه ضائعًا؛ لم ينتفع منه بشيء، وهو أحوج ما كان العامل إلى عمله، وقد سعد أهل السعي النافع بسعيهم!
قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
"قيام الليل يُوجب علو الدرجات في الجنّة، قال الله تعالى لنبيه:
{ومن اللّيلِ فتهَجّدْ به نافِلةً لك عسى أن يبْعَثكَ ربُّك مقامًا محمودا}
فجعل جزاءه على التهجد بالقرآن بالليل أن يبعثه المقام المحمود، وهو أعلى درجاته.
﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين﴾
لولا عِظمُ الصدقة ومكانتُها عند الله لما كان أول مايرجو العبد لو أُتيح له الرجعةُ إلى الدنيا أن يتصدَّق.
﴿وَأَوحَينا إِلى أُمِّ موسى أَن أَرضِعيهِ فَإِذا خِفتِ عَلَيهِ فَأَلقيهِ فِي اليَمِّ وَلا تَخافي وَلا تَحزَني﴾
موسى عليه السلام كان رضيعاً ضعيفاً ولم يضرَّه اليمّ وَ فرعون كان في ق��ة جبروته وغمره اليمّ .
فمن كان مع الله فلن يضرهُ ضعفُه ، ومن لم يكنْ مع الله فلن تنفعَه قوتُه..
﴿ربنا أفرغ علينا صبرا﴾
اطلب من الله أن يمنحك الصبر، وتعلّم أن تكون صبورًا ففي الحديث: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر" متفق عليه.
{وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}
شهادة من الأعداء بغلبته وتأثيره، فالقرآن يحرِّك القلب بمجرد سماعه، فكيف لو أضاف للسماع: التدبر والعمل؟
تأمّل آخر آية من سورة المزّمّل ، وما فيها من التأكيد على قراءة القرآن مهما كانت الظروف ، من مرضٍ و سفر وقتال في سبيل الله !! فهل يعتبر المقصّرون في قراءة القرآن بسبب أعمال لا تداني هذه الأعذار؟!!
(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)
النعم التي تتقلّب بها صباح ومساء.. الإنجازات التي تصِل إليها..
الأفراح التي تغمرك كلّها من الله.
فاللهم لك الحمد حتى ترضى .
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾
قال الشافعي: آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم وبلسمٌ على قلب المظلوم قيل وما هي؟!، فقال قوله تعالى : "ومَا كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً"
( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ )
اجْعَل عملك دوماً ابتغاء مرضَاة الله فمهما زُيِّنت لك الدُّنيا فإنَّها ذاهبة في سنوات معدودة ، والآخرة هي من تدوم معك .
﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾
ما أعظمها من آيةٍ ..
معروفك ؛ عطاؤك ؛ إيثارك ؛
حتى طِيبتك في تعاملك مع الآخرين..
إن لم تجدها في الدنيا فسوف تجدها عند الله خيرًا وأعظم أجرًا.