أستوحش البيت بعد ما أعتاد على وجود خواتي فيه، وفجأة الكل يرجع لبيته وأرجع أنا لوحدي. أحس بالغربة بشكل مضاعَف.. وتتّسع بداخلي الوحدة في مكانٍ لا يشبهني.
تشدّني البلاغة في أدعيتنا. وأحب تفكيك الجمل وتفسيرها واستيعابها عند كل قراءة. كنت أقرأ دعاء (أبي حمزة الثمالي) فراودتني هذي الفكرة: في معنى أن تكون الابتهالات قصائد بهذا القدر من البلاغة. التمعّن في كل كلمة وكل جملة واستيعاب المقصود، والتحنّن للخالق بهذا الشكل؛ روحانية مضاعَفة❤️
قرأت اقتباس قبل فترة يقول: "الحوار مثل اللمس، هو ما يهزني، ويجذب انتباهي، وتوقي، مع وقعٍ يشبه بصمات الأصابع؛ في كل مكان".
وأنا توّاقة للمسك، لمحاورتك، وتحسّس مواطئ الدهشة فيك.
كتَب مريد إلى رضوى: ”حين ذهبتِ.. حقلٌ من عباد الشمس تلفّت نحوكِ وتخلى عن وجه الشمس“ واليوم التف مريد بنفسه.. وذهب إليها معرضًا عنا.. وعن وجه الشمس.
#مريد_البرغوثي
أنا أتبدّد وأضمحل. تأكلني آثامٌ أكبر منّي، وطفولةٌ خرجت منها ولم تغادرني، ونهمٌ لا تشبعه الرغبة وحدها. أتفتّت وأذوي في حياةٍ تفيضُ بي وأضيق بها، وما عدت أبحث عن سعةٍ أتقمّصها، أريد فقط أن لا أشعر بفداحة موتي، وحياتي.
مي مي بيرسنبروج: "الحوار مثل اللمس، هو ما يهزني، ويجذب انتباهي، وتوقي، مع وقعٍ يشبه بصمات الأصابع؛ في كل مكان".
رولان بارت: "اللغةُ جلد، أحكُّ لغتي بالآخر، كما لو أنني أمتلك كلماتٍ في شكل أصابع، أو أن كلماتي تنتهي بأصابع".
تهاني فجر تقول: "نسيتُ ضحكتي في فمك"، وفيروز تقول: "نسيتُ من يدهِ أن أستردَّ يدي". وأنا هنا، أحاول أن أحيك من كلّ هذا النسيان معطفًا أتدثّر به في غيابك.
«سوف أرحل. الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى
أريد أن أختفي
شفّافًا، ما وراء الأبديّة».
«i will walk away. Now more than
ever i want to go fade
Into transparency, beyond eternity».
-تاميكي هارا/ ت: جمانة حداد
كونديرا في كتاب الوصايا المغدورة تحدّث عن ألم الاغتراب، وذكر كلمة ألمانية (die Entfremdung) ترجمتها هي: «العملية التي يغدو خلالها ما كان قريبًا منّا، غريبًا».
ويعرِّف: "إن الغربة في شكلها الحاد، المذهل، لا تنكشف على صورة امرأة مجهولة نبحث عنها؛ إنما امرأة كانت لنا، فيما مضى".
"ألمي الكبير هو أنك لم تعرفني أبدًا..
ولم ترغب في معرفتي يومًا
تراني امرأة خفيفة بأفكار حمقاء جاءتها من قراءة روايات حب وقصص في مجلة طهران المصورة..
ليتني كنتُ هكذا؛
لاستطعتُ حينها أن أكون سعيدة".
-إلى والدها
عاجبتني رفاهية الإجازة وأن يوم السبت طلع يستحق فرصة أخرى، وفكرة النوم بدون تنغيص المنبّهات وصوتها المزعج. أحس أني طمعت وأحتاج إجازة الأربعة شهور، ما يكفيني هالأسبوع فقط.
لأن اقترابكَ منّي التباسٌ والتماسٌ واحتراق.
لأنني أمتلكَ الكلمة التي تريد أن تسمعها منّي، لكنّ مزاجيّتي تحتّم عليّ أن أحرمكَ منها.
لأنكَ لن تفهم متى سأريدك، ومتى لن أفعل.
لأنكَ صورةٌ أخرى، وأنا سئمت الصور والانعكاسات والظلال وكلّ ما يبرعم حضوركَ الواضح بقبح.
أحبّ أخوي، وهذا الأخ على وجه الخصوص لا يجيد التعبير عن محبّته بشكلٍ صريح، ويتّجه للتعبير عن طريق الأفعال والمواقف. فمثلًا اليوم أرسل صورة له -وهو مسافر- فعلّقت عليها بكل انسيابيّة وصرّحت باشتياقي له وبأنّه قد ازداد جمالًا، فكان ردّه "ترا مشّطت شعري إلى ورا"، فقط.
الصحيفة السجّادية هي الإرث الأعظم والبرهان الأكبر والحجَّة الأمتَن على بلاغة وزهد وبصيرة الإمام السجّاد عليه السّلام. بأبي وأمي الذي هو اللسان الناطق عن كلّ قلبٍ ذاق حلاوة الإيمان وتمتَّع به. ولا أعرف والله طريقًا أقرب وأوضح وأهدَى من التزوّد بكلماته والعمل بها.
حاولت صياغة كلمة في الإمام الحسن، بحثت عن قصيدة مناسبة، وفشلت في الأمرين، وتذكّرت الحرزي حين قال فيه: "وخِلتني يوم خوضي في مدائحهِ؛ فؤاد شاةٍ عليها العيدُ قد دخلا". هذا الحُسن والجود المعجِز حتّى عن الوصف، والمربك لشاعره على الإتيان بقصيدةٍ تليق بسِعة حسنه ورزانته❤️
أحب توظيف مفردة (العطش) في اللهجة العراقيّة. بدايةً من مظفَّر النواب وهو يسترجي: "عطّشتْنِي بماي حبّك/ امطر امطر خاف ربّك!"، إلى "ألمّك لمّة الخاطر بالعتاب/ وأقلّك من عطشتك ليش ما جيت؟"، أو حتّى "أضمّك ماي من أعطش حبيبي".
تأسرني العذوبة بين إثنين، أحدهما يلقي الشِّعر، والآخر ينصت له بتمعّن، وافتتان. ودائمًا ما أؤطِّر محبَّتي لمن أحب، بإلقاء القصائد له.
لا شيء عندي، غير حلاوة الشعر وهو ينسكب بكلّ سلاسة من فمي، إلى أذن الآخر، الهائمة. حتّى نبرتي، تكتسي عذوبة مضاعَفة، بفعل المحبّة، قبل أيّ شيءٍ آخر.
أنت لن تحتمل حديّة أفكاري وصمتي الموبوء. رغباتي المحمومة وغضبي اللعين. لن تحتمل أنني أتماهى مع موتي وأبتلعه قبل أن يبتلعني، وأنني أنحت الآلام بقبحٍ مستفزّ لتشيح عنها بعينك. لن تحتملني، ولن تفهم أنني أصرّ على أن أتجرّد مني كلما كنت معك.
أحب قصيدة (وَيْ كالهجاء) المكتوبة في الإمام الحسن. الحرزي صوَّر جود وكرم وسماحة الإمام فيها بطريقة عذبة جدًّا. ففيها يقول:
"يا بؤبؤ الجودِ بل يا عظمَ راحتهِ/ وآفة الفقر بل يا حمةَ البُخلا".
بهذه النداءات العذبة، وبهذه اللهفة القديمة، تلهج أرواحنا وتصبو نحو كريم الآل هذه الليلة❤️
المؤاخاة في عيد الغدير تترجم لي معنى الحب في أعذب وأصدق أشكاله. فكرة أن تضع يمينك في يمين من تحب، وتعاهد الله وملائكته ورسله وأنبياءه والأئمة المعصومين، على أن لا تدخل الجنة، إلّا برفقة هذا الشخص! وتحملان هذا العهد على عاتقكما حتى يوم الحشر؛ أن تؤاخي من تحب، على حبّ النبي ووصيه♥️
أنتَ مللت حزني على نفس الموضوع كلّ مرة. أمي تعبت وهي تحتويني كلّ ليلةٍ بعد منتصف الليل وأنا خائفةٌ من أصواتٍ لا يسمعها غيري. أخي سئم من سؤالي ما بي وهو يعلم أنهُ *مجرّد اكتئاب*. أصدقائي توقّفوا عن طرق هذا الباب الذي أغلقته بنفسي. صداعي تحوّل إلى طنينٍ ينخر رأسي على الدوام.
وردة الجزائرية تقول: "الحب بريء واحنا ظلمناه". والست تؤكّد عليها وتقول: "ظلمنا الحب بإيدينا، وجينا عليه.. وجرحناه لحدّ ما ذاب حوالينا". وأنا -شخصيًا- أفهم معنى أن تتم تشويه صورة المحبّة بهذا الشكل.
الحرزي في وصف شجاعة العبّاس قال: «تطنّهُ الجمعَ في أثواب منفردِ». هذي الكثافة والمهابة والجسارة ما تجلّت إلّا في شخصه الكريم.. فردٌ بكثافة الجمع/ جمعٌ بصرامة الفرد❤️
أحبّ توظيف الكلمات واستعمالها. أحيانًا أكتب جملة كاملة لا لشيء؛ وإنما لأن كلمةً واحدةً كانت رنّانة ومغرية لأن أكتبها على عجل في أيّ سياق. أحب كيف تفرض الكلمة نفسها وتضطرّني على تدوينها بهذا الشكل
الليلة عانقت شخص أحبّه بكلّ ما فيني من رحابة واتّساع، لقيت هالشخص يقول لي بنبرة مبتهجة: "ردّت الروح". ابتسمت لأني لمست صدق النبرة وصدق البهجة أولًا، ولأنّي استوعبت مدى ضآلة الأيّام لما نحدِّق فيها من خلال من نحب؛ كل شيء يتبدّد، وتتبقّى الابتسامة المشتركة عزاء ومستراح أكيد❤️
"لا أحنّ إليها، لكنّي في بعض الأحيان أنسى أين أنا، أتخيّل نفسي داخل تلك الحياة ثانية، صباحات متمرّدة، شمس ربّما، أو على الأرجح ضوء عديم اللون، يرشح من خلال غيوم مشوّهة".
-تريسي ك. سميث
اعتدنا القراءة لحجّار معًا، وكنت أسجّل لها بعض النصوص بصوتي. نتناقش حول شذرات رولان بارت التي عاودنا قراءتها أكثر من مرة. نتحدّث عن كونديرا وعناوين كتبه وأسلوبه الذي نحب. هذا الزخم الأدبي الدافئ اللي كان بيننا أفتقده. أفتقد حتى صمتنا المشترك والمشحون بالطمأنينة.
"كنت تُلصق وجنتيك فوق صدري المضطرب، بينما أنا لم أعد أملك شيئًا أقوله، كنت تلصق وجنتيك فوق صدري المضطرب، وتُنصت إلى دمي المتدفق وهو يئن، وعشقي ال��ي يموت وهو يبكي. كنت تُنصت، لكنّك لم تكن تراني".
ما بين: "غدًا من الممكن أن ننتحر، الآن علينا أن نحبّ".
وبين: "وما زِلنا نُريدُ الحبَّ حُبًّا/ والحياةُ.. حياة".
تتلف كلّ نزعات المرء الانتحاريّة، وتتبدَّد، بواسطة المحبّة فقط.